المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجاهدة النفس على الطاعات


ملكة الحنان
05-02-2023, 10:50 PM
مجاهدة النفس على الطاعات


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا إلَهَ سِوَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي اصْطَفَاهُ وَاجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فإن مجاهدة المسلم لنفسه على طاعة الله تعالى واجتناب معاصيه، هي السبيل إلى مرضاة الله تعالى، ودخول جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بَشَرٍ، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
تعريف مجاهدة النفس:
مجاهدة النفس: هِيَ: مُحَارَبَةُ النفس الأمَّارة بالسوء بتحميلها ما يشق عليها بما هو مطلوب في الشرع؛ ( التعريفات ـ عبد القادر الجرجاني ـ صـ 204 ).

يجبُ على المسلم أن يجاهد نَفْسه في ذات الله تعالى؛ لتطيب وتزكو وتطمئن، وتصبح أهلًا لكرامة الله تعالى ورضاه، وليعلم المسلمُ أن مجاهدة النفس على الطاعات واجتناب المحرمات، هو سبيل المؤمنين الصادقين، فيسلكه مقتديًا بهم، ومِنْ مجاهدة النفس الحرص على تلاوة القرآن الكريم، وقيام الليل بالصلاة وذِكْرِ الله تعالى؛ قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

• قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير رَحِمَهُ اللهُ: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَهُ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَالْإِنْفَاقِ مِمَّا رزقهم الله تعالى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ أَيْ يَرْجُونَ ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ؛ ( تفسير ابن كثير ـ جـ6 ـ صـ 483 ).

• روى مسلمٌ عَنْ أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال:َ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ؛ ( مسلم ـ حديث 804 ).

• قَوْلُهُ: (اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ)؛ أَيِ: اغْتَنِمُوا قِرَاءَتَهُ وَدَاوِمُوا عَلَى تِلَاوَتِهِ.

• قَوْلُهُ: ( لِأَصْحَابِهِ)؛ أَيِ: الْقَائِمِينَ بِآدَابِهِ؛ (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ4 ـ صـ 1460).

• روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الباهلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ؛ (حديث حسن) ( صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث:2814).

• قَوْلُهُ: ( عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ )؛ أَيْ: الْزَمُوا الْقِيَامَ بِالْعِبَادَةِ فِي اللَّيْلِ.

• قَوْلُهُ: (دَأْبُ الصَّالِحِينَ )؛ أَيْ: عَادَةُ الصَّالِحِينَ.

• قَوْلُهُ: ( قَبْلَكُمْ )؛ أَيْ: ِقِيَامُ اللَّيْلِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ.

• قَوْلُهُ: (وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ)؛ أَيْ: سَاتِرَةٌ لِلذُّنُوبِ وَمَاحِيَةٌ لِلْعُيُوبِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114].

• قَوْلُهُ: (وَمَنْهَاةٌ)؛ أَيْ: وَنَاهِيَةٌ عَنِ الْإِثْمِ؛ ( مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ 927).

نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في مجاهدة النفس:
روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا، فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ؛ ( البخاري ـ حديث: 4837).

• قَوْلُهُ: (تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ)؛ أَيْ: تتشققُ قَدَمَاهُ.

• قَوْلُهُ: ( أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)؛ أَيْ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ بِغُفْرَانِ ذُنُوبِي وَسَائِرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ؛ ( مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ 922 ).

مجاهدة السلف الصالح لأنفسهم:
سوف نذكر بعض الأمثلة لمجاهدة السلف الصالح لأنفسهم:
• قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: كَانَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْر يَقْرَأُ رُبُعَ القُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فِي المُصْحَفِ نَظَرًا وَيَقُوْمُ بِهِ اللَّيْلَ؛ ( سير أعلام النبلاء ـ للذهبي ـ جـ4 ـ صـ 426).

• قَالَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: رَأَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: غَدًا الْقِيَامَةُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مَزِيدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ؛ ( حلية الأولياء ـ لأبي نعيم الأصبهاني ـ جـ3 ـ صـ 159).

ومن أنواع المجاهدة مجاهدة طالب العلم لنفسه:
مُجَاهَدَةُ طَالِبِ العِلْمِ لِنَفْسِهِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِب:
إحْدَاهَا: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى تَعَلُّمِ الْهُدَى وَدِينِ الْحَق الذِي لَا فَلَاحَ لَهَا وَلَا سَعَادَةَ فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا إلا بِهِ، وَمَتَى فَاتَهَا عَلِمَهُ شَقِيَتْ فِي الدارَيْنِ.

الثانِيَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَإِلا فَمُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ إنْ لَمْ يَضُرَّهَا لَمْ يَنْفَعْهَا.

الثالِثَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الدعْوَةِ إلَيْهِ وَتَعْلِيمِهِ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ، وَإِلا كَانَ مِن الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ الْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ، وَلَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ.

الرابِعَةُ: أَنْ يُجَاهِدَهَا عَلَى الصبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الدعْوَةِ إلَى اللهِ وَأَذَى الْخَلْقِ وَيَتَحَمَّلُ ذَلِكَ كُلَّهُ لله.

فَإِذَا اسْتَكْمَلَ العَبْدُ هَذِهِ الْمَرَاتِبَ الْأَرْبَعَ صَارَ مِنَ الرَّبَّانِيِّينَ، فَإِنَّ السَّلَفَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَالِمَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى رَبَّانِيًّا حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ وَيَعْمَلَ بِهِ وَيُعَلِّمَهُ، فَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ وَعَلَّمَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؛ ( زاد المعاد ـ لابن القيم ـ جـ3 ـ صـ 9 ).

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة.

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]؛ كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.

شيخة الزين
05-02-2023, 11:21 PM
طرح رائع كروعة حضورك
اشكر ك علي روعة ماقدمت واخترت
من مواضيع رائعه وهامة ومفيدة
عظيم الأمتنان لكَ ولهذا الطرح الجميل والرائع
لاحرمنا ربي باقي اطروحاتك الجميلة
تحياااتي

غصة حنين
05-03-2023, 12:06 AM
طرح معطر بروحانيات إيمانيه قيمه
جزاك الله خير
ورفع الله قدرك وجعله في ميزان حسناتك

تراتيل عشق
05-03-2023, 12:56 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .

حور العين
05-03-2023, 09:32 AM
جزآكم ربي كل خير
وجعل طرحكم بميزآن حسنآتكم يآرب

أمير المحبه
05-03-2023, 09:03 PM
جزاك الله خيرا
يعطيك العافيه يارب
اناار الله قلبكك بالايمــــــــان
وجعل ماقدمت في ميزان حسناتكـ
لكـ شكري وتقديري

ملكة الحنان
05-06-2023, 04:51 PM
شيخة


سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق

ملكة الحنان
05-06-2023, 04:51 PM
غصة


سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق

ملكة الحنان
05-06-2023, 04:51 PM
تراتيل


سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق

ملكة الحنان
05-06-2023, 04:51 PM
حور


سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق

ملكة الحنان
05-06-2023, 04:51 PM
أمير

سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق

ليليانا
05-06-2023, 04:57 PM
جزاك الله خير و نفعنا واياك بما جلبت..
شكراً لجهودك و روعة انتقائك..

ملكة الحنان
05-06-2023, 05:01 PM
ليليانا


سرني تواجدك بمتصفحي

لاحرمنا الله جديدك الشيق