بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
( أي شيء عرف من لم يعرف
الله ورسله ، وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة ، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه ، وماله بعد الوصول إليه ) ابن القيم رحمه
الله .
إنها مقولة نورانية من طبيب القلوب العلامة الحبر شمس الدين ابن القيم رحمه
الله ، تذكرتها وتأملتها في ظل عصرنا هذا الذي تنوعت فيه المعارف ، وتعددت فيه المشارب ، وأصبح العالم يقذف إلينا كل يوم معلومة جديدة ، واكتشاف حديث .
شعرت أننا بحاجة ماسة جدا لتدبر هذه الكلمة الموفقة ، خصوصا في ظل ما يلاحظ حاليا من تمرد ظاهر على حدود
الله ، وانتهاك صارخ لأعظم مايمكن أن يقدسه مسلم على وجه الأرض –
الله تعالى وتقدس _ .
إن القلوب إذا لم يحركها حادي
معرفة الله عز وجل وتعظيمه ، فإن العطب سيتمكن منها ، والران سيكسوها ، فأي شيء يريده قلب لم يتعرف على
الله عز وجل.
إن الحياة المادية إذا استغرقنا فيها وابتعدنا عن تذكير القلوب بهذا المعنى المهم (
معرفة الله ) فإننا ولا شك سنستجلب الهموم والغموم ، ونبتعد عن التوفيق ، بل وعن لذة الحياة ، فأي لذة في حياة من لم يتعرف على
الله ، أو غفل عن سبل معرفته .
إن روح المؤمن إذا لم يحركها حادي الشوق إلى لقاء
الله ، والتعرف عليه عز وجل ، بالقراءة في أسمائه وصفاته ، وتدبر كتابه ، فأي حادي سيوصلها إلى غياتها بعد ذلك !
وحتى نذكر أنفسنا ، ونتدارك تقصيرنا وتفريطنا دعونا نتأمل سويا شيء من كلام من عرف
الله عز وجل – كما نحسبهم - ، لنعرف مدى تقصيرنا ، وتفريطنا في هذا الباب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله ( والعلم بالله يراد به في الأصل نوعان :
أحدهما : العلم به نفسه ، أي بما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام ، ومادلت عليه أسماؤه الحسنى .
وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية
الله لامحالة ، فإنه لابد أن يعلم أن
الله يثيب على طاعته ، ويعاقب على معصيته ...
والنوع الثاني : يراد بالعلم بالله : العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي ، والحلال والحرام ...)
وقال رحمه
الله ، في كلام بديع عن
معرفة الله عز وجل : ( وهو - بحق – أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول ، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى
معرفة هذا الأمر ...)
وقال رحمه
الله وكأنه يحكي عن حاله : ( إن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لايمكن التعبير عنه إنما هو في
معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به ...وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة
الله والتقرب إليه بما يحبه ، ولاتمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه ) .
وقال رحمه الله: ( والعبد كماله في أن يعرف
الله فيحبه ، ثم في الآخرة يراه ويلتذ بالنظر إليه )
قال الإمام ابن القيم رحمه
الله ( ولا ريب أن أجل معلوم وأعظمه وأكبره هو
الله الذي لا إليه إلا هو رب العالمين ، وقيوم السموات والأرضين ، الملك الحق المبين ، الموصوف بالكمال كله ، المنزه عن كل عيب ونقص ...)
وقال رحمه
الله في موضع آخر : ( فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها ، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا ، فإن العلم من أفضل العبادات )