ننتظر تسجيلك هـنـا

{ اعلانات مملكة عزف الحروف ) ~
 
 
 
 

الإهداءات



♫ıl الرسول و سيرة الصحابة ıl♫ ┘¬»[ قصص الانبياء مفصله , قصص الرسل و معجزات القران

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: رسالة أتمنى وصولها للأرواح المهاجرة (آخر رد :شيخة الزين)       :: تعلم فن التسامح (آخر رد :شيخة الزين)       :: عندما يتساقط الاحساس مطرا (آخر رد :شيخة الزين)       :: همسة حب ورسالة شكر (آخر رد :شيخة الزين)       :: العيون الانيقة (آخر رد :شيخة الزين)       :: الخلع في الإسلام (آخر رد :شيخة الزين)       :: الدنيا ومابها (آخر رد :شيخة الزين)       :: جهاز tcl nxtpaper: مزيج متقن بين الجهاز اللوحي والقارئ الإلكتروني (آخر رد :عاشق العميد)       :: اجعل الدعاء سبيلك .. (آخر رد :عاشق العميد)       :: حقيقة الدنيا الفانية . (آخر رد :عاشق العميد)      

قائمة الاعضاء المشار إليهم :

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 05-06-2023, 09:38 PM
ملكة الحنان غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 242
 تاريخ التسجيل : Nov 2021
 فترة الأقامة : 953 يوم
 أخر زيارة : 06-09-2023 (07:54 PM)
 المشاركات : 72,404 [ + ]
 التقييم : 109197
 معدل التقييم : ملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond reputeملكة الحنان has a reputation beyond repute
بيانات اضافيه [ + ]

الاوسمة

3 Zf21 يوسف بن يعقوب بن إسحاق (4)



يوسف بن يعقوب بن إسحاق (4)

﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [يوسف: 68] لقد عملوا بنصيحة والدهم، فهل أغنى عنهم ما كان ينتظرهم بتقدير الله؟

﴿ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ [يوسف: 68] وهي شفقته عليهم والحرص على سلامتهم.

﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 68]؛ فيعقوب نبي مرسل يوحى إليه، وهو بهذا يعلم أن قضاء الله نافذ لا محالة، وأن الحذر لا يدفع القدر، ولكن لا بد من اتخاذ الأسباب، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد إلا كتب مقعده من النار أو الجنة))، قالوا: ألا نتكل؟ قال: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّر))، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ [الليل: 5].

ووصل الإخوة جميعًا إلى باب يوسف وقد وفوا بوعدهم، وأحضروا معهم أخاهم بنيامين، وقد سر يوسف كثيرًا لما رآهم، وكتم حب أخيه في نفسه.

﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ [يوسف: 69]، فكيف فعل هذا؟ ألم ينتبه إلى ذلك بقية الإخوة؟ قال المفسرون: صنع لهم طعامًا، ثم أنزلهم في غرف تسع الواحدة لاثنين، وبقي لبنيامين غرفة وحده، وهنا دخل إليه يوسف، ﴿ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف: 69]؛ فالله قد فرج همنا ووسع علينا وأصبحنا في أحسن حال، لقد ولَّت أيام الشقاء وحسد الإخوة، ولكن لا تخبرهم بما حصل الآن، واكتم حديثنا، ودبر أمرًا لاستحواذ أخيه.

﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 70]، فالسقاية مكيال لكيل الحبوب، وهي أشبه بالصاع، وفي مصر كان يكال بمكيال موحد منعًا للغش، وهو صواع الملك، له علامات مميزة ومفضض، وهو ذو قيمة مادية ومعنوية، والرحل بمثابة الكيس اليوم، وهو خاص بالإبل، ملائم لحمولتها، فأمر غلمانه بأن يجهزوهم بكافة طلباتهم كأحسن ما يكون الجهاز، وأن يجعلوا مكيال الحبوب في رحل بنيامين، ولما فعلوا ما أمرهم به يوسف، خرجت العير باتجاه الشام، وصبر عليهم يوسف بعضًا من الوقت، ثم أرسل خيالة في طلبهم.

﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، ونزلت هذه العبارة على إخوة يوسف كالصاعقة، إن آخرَ ما توقعوه من العزيز أن يرميهم بهذه التهمة؛ لذلك كان جوابهم ردة فعل لما سمعوه تحمل الغضب والتشنج، فمثلهم من أبناء الأنبياء لا يُرمَون بهذه التهمة، ﴿ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ [يوسف: 71]، إنهم في أشد العجب لما حصل، فأوقف إخوة يوسف قافلتهم، والتفتوا إلى المؤذن ومن معه متسائلين: ﴿ مَاذَا تَفْقِدُونَ؟ ﴾ [يوسف: 71]، ﴿ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ [يوسف: 72]، أخبروهم بالسرقة التي ادعَوها، وجعلوا لمن يكشف عن السارق جائزة مغرية مؤداة، مقدارها حمل بعير من الطعام، ﴿ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]؛ أي: كافل وضامن لإعطاء هذه الجائزة لمن أدلى بما يفيد كشف السارق.

ورأى إخوة يوسف أن الأمر جد لا هزل، فقال كبيرهم: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73]، قال هذا؛ لأنه متأكد من نظافة أيديهم، ولم يخالجهم أدنى شك في كون الصواع ليس عندهم، والحلف بـ: "تالله" فيه معنى التعجب مما اتهموا به، فرد رسل يوسف بلغة الواثق من تهمة إخوة يوسف: ﴿ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 74]، فأتى الجواب بلغة التهديد، وكأنهم يعلمون أن صواع الملك عندهم بلا أدنى شك، وهنا ارتبك إخوة يوسف في الرد، ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ [يوسف: 75]؛ أي: يجازى بما هو مقرر في شرعنا الذي ندين به.

تم هذا الجدال قبل وصول يوسف، حيث جاء على أثرهم، وأعطاهم الأمر بالتفتيش، ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 76]، وفي هذا الصنيع بُعد عن إثارة الشك فيه، ونظر يوسف إلى إخوته نظرة ريبة وعتب وهو يظهر السقاية لهم وكأنه يقول لهم: أبعد الكرم والتقدير وزعمكم أنكم أبناء نبي تسرقون صواع الملك؟ وفهموا من تلكم النظرة ما أراد أن يكلمهم به يوسف، فقال كبيرهم يتكلم نيابة عنهم وكأنهم كلهم قالوا هذا: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ [يوسف: 77]، عبارة تظهر ما يخفيه أبناء يعقوب لأخويهم من أبيهم، فما زال القلب يحمل تجاههم حسدًا، وكان الأجدر أن يدافعوا عنه بكلام يبرر وجود هذا الصواع في رحل بنيامين بوصفه بالأمين، وأن أمرًا ما دبر لهذا الغلام، لكن أبى البغض إلا أن يظهر في هذه الساعة الحرجة.

ولكن ما قصة ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: 77]؟ وهذا اتهام ليوسف، ذكر أهل التفسير أن عمة يوسف الكبرى ربت يوسف في بيتها لحبها له، ولما كبر طلبه أبوه منها، فامتنعت، وبعد إلحاح يعقوب ردته إليه وحزمته بمنطقة كانت لإسحاق، واتهمته بسرقتها؛ لتأخذه - وفق شريعتهم - عبدًا، فيبقى مقيمًا معها، وقيل: سرق صنمًا من ذهب كان لجده أبي أمه وحطمه؛ عملًا بتغيير المنكر، وقيل: لم يسرق، ولكن تهمة منهم جديدة، فأسر يوسف في نفسه قولهم هذا، ولم يبدِ لهم كذبهم؛ لأنه كان لا يريد كشف أمره بعد، وإلا لرد عليهم افتراءهم هذا، وأضاف هذا الذنب ليكون مع ما اقترفوه من ذنوب، ثم قال في نفسه: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ [يوسف: 77]؛ أي: أنتم مكان الشر، ومنكم خرج الشر وتأصَّل في قلوبكم، ثم قال لهم: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77]، ذكرتم شيئًا الله أعلم بصحته، والمهم عندي أن السقاية وُجدت في رحل بنيامين، وسنأخذه رقيقًا بها، وهنا عادوا إلى تذكر ميثاقهم مع والدهم بأن يحافظوا على أخيهم، فاستخدموا لغة تستدرُّ عطف يوسف عليهم، ﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78]، ولعلها لحظة صدق منهم بعد الموقف الصعب لأخيهم بنيامين، وأنه لن يعود معهم وسيتركونه في بلاد بعيدة عنهم، وأن أباهم إذا ما وصله النبأ سيكون له وقع أليم عليه، وتقدموا كلهم باذلين أنفسهم ليفدوا به أخاهم، ولكن يوسف الذي خطط لإبقاء أخيه عنده لم يرضَ بأي منهم؛ ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79]، هذا من الإجحاف، أن يسرق ثم نتركه ونأخذ غيره بجريرته، ﴿ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79] فهذا عينُ الظلم لو فعلنا هذا، ونحن قد وطدنا أحكامنا على العدل، والعدل أن نأخذ بنيامين، فمِن رحله أخرجنا صواع الملك، وذهبت كل جهودهم الرامية لاستنقاذ أخيهم من هذا المأزق الذي وضع فيه أدراج الرياح.

﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾ [يوسف: 80]، فلما يئسوا من الجدال مع يوسف بعد بذل الجهد في استنقاذه، وصمم على تنفيذ الحكم بتهمة السرقة، وقاده الحرس إلى مصيره - أسقط في أيديهم، وعلاهم الهم والحزن، وانتحوا جانبًا يناقشون ما جد من أمرهم بعد هذا الحدث، ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 80] ذكَّرهم أخوهم الأكبر بالموثق الذي التزموا به لوالدهم، فكيف سنقابله وبأي وجه؟ واليوم نخبره بما حدث صدقًا، وما أظن أنه سيصدقنا، وكأننا مسلطون على أولاده، ﴿ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 80]؛ أي: فرطتم بالعهد الذي قطعتموه لأبيكم بأن تحافظوا على يوسف، والآن نحن لم نفرط بالعهد، ولكن من يقنع أباكم بأننا التزمنا بعهدنا، وما حصل لا يد لنا فيه؟ إن المواجهة مع أبيكم صعبة، ولن أحتمل أن أرى وَقْعَ هذا الخبر على أبيكم، ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80]، سأبقى في هذا المكان النائي تنهشني الغربة وهي أهون عليَّ من المواجهة، يكفي ما سببناه لأبينا من آلام وهموم، ﴿ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81] أنتم واجهوا أباكم وأخبروه بما رأيتم، وعاد الإخوة وليس معهم بنيامين، ولا أخوهم الكبير، ولما وصلوا ديارهم دخلوا على أبيهم وأخبروه الخبر، ولو نعلم أنه سيسرق ما أخذناه معنا، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [يوسف: 81] فعندما أعطيناك موثقنا لم نكن نعلم ما خبأ لنا القدر وأن بنيامين سيرتكب هذه المخالفة، ولما وجدوا ملامح عدم التصديق لروايتهم على وجه أبيهم أردفوا قائلين: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [يوسف: 82] على تقدير مضاف محذوف؛ أي: اسأل أهل القرية، وأصحاب العير، كما أخبروه عن أخيهم الكبير، وأنه لن يبرح مصر حتى يأذن له بالعودة، أو الحكم فيه بأن يرسله لقتال العدو حتى يستشهد، ولما قدموا هذه البراهين، وكان أقربها أن يسأل يعقوب أصحاب القافلة العائدة عما شاهدوه، لكنه اكتفى بتنهيدة كبيرة، وزفرة حزينة، فيها معنى الرجاء والأمل، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83]، والصبر الجميل: هو مَن يكتم ما به مِن حزن فلا يبوح به لأحد، وإنما البوح وتفويض الأمر القلبي لله تعالى، فما من أحد سواه قادر على جبر ما أصاب يعقوب، ورد أبنائه إليه سالمين، ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف: 83]، وعسى في القُرْآن تفيد التحقيق، فكان هذا رجاء يعقوب وتعلق قلبه بالله، وأن قلبه الشفيف لم يكن موقنًا بفقد أبنائه يوسف وبنيامين وبكره "روبيل" الذي تخلف في مصر خوف مواجهة والده فيما حصل لبنيامين؛ لذلك كان قلبه المتعلق بالله يشعره باجتماع شمل الجميع، وأنهم سيأتونه في الوقت المناسب، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]؛ فالله عليم بما هم عليه، وأين مكانهم؟ ولحكمة هو يعلمها جل شأنه وعظمت قدرته جرت الأمور على ما جرت عليه، وها بدأت تتكشف ليعقوب الأمور بعدما تغيبت عنه لفترة ما، ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ [يوسف: 84] ثم ابتعد عن أولاده متذكرًا يوسف وأيام صباه، والسنين التي مرت وفِلذة كبده بعيد عنه وهو لا يطيق عن بعده صبرًا، ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، وبلغ الحزن منه مبلغه في قوله: ﴿ يَا أَسَفَا ﴾، وقد أودى الحزن بسواد عينيه ففقد البصر، فلمَ كل هذا الحزن على يوسف وعنده من اليقين أنه حي؟ ألا يملك مزيدًا من الصبر بلا شائبة الحزن أم ترى اختلط عليه الأمر؟ إنه نبي الله، وكان حزنه الكبير على البعد والفراق الطويل، وعلى عيش يوسف في بيئة ملحدة، فخشي من طول المقام ليوسف أن يتأثر بها، وتبعه أولاده يواسونه وهو بحالته المحزنة، فلما سمعوا ذكره ليوسف ولم تنسه إياه السنون، خافوا غطرفته وذهاب عقله لما يعانيه من كبت الحزن، وكان من الغرابة أن يذكر فقد يوسف الذي طواه الزمن من سنين، وألا يذكر فقد بنيامين وهو لا يزال حديث الساعة، ولم يدركوا أن مصيبة اليوم نبشت من الذاكرة مصيبة الماضي فأججت عرام الفقد ومواجع الفراق، فقالوا له مشفقين لما وصل إليه حاله: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، فقالوا: يمين الله لا زلت تذكر يوسف فلم تنسه، إلى متى يا والدنا؟ إلى أن تشرف على الهلاك ويهزل جسمك وتعتريك الأمراض البدنية والعقلية؟! نخشى عليك يا أبانا أن تهيم على وجهك من هذا الذي يعتريك فتكون من الهالكين، لكن يعقوب كان أكثر صمودًا منهم، وأشد رباطة جأش، وهذا لا يمنعه من بث شكواه وحزنه إلى ربه، وفي ذلك سلوان له وبرهان على صادق العبودية والالتجاء إلى الله، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86] أتشكُّون في نبوتي وصلتي بربي؟ إن ربي لم يتخلَّ عني؛ فأنا أعلم منه عن طريق الوحي ما لا تعلمونه أنتم، وأعلم أن ما أصاب أسرتي هو امتحان وابتلاء وأنا صابر محتسب، ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 87]، وبعد أن تجلى له الأمر ووضح دعا أبناءه للبحث عن أخويهم يوسف وبنيامين، وقد أسقط ذكر ولده الأكبر روبيل؛ لأنه اختار البعد اختيارًا، وربما يكون قد رجع إلى أبيه بعد أن بلغه خبر بنيامين وكان تغيبه لكيلا يرى أثر وقع الخبر على أبيه؛ لذلك طلب منهم البحث عن يوسف وبنيامين، وشدد على عدم اليأس والقنوط؛ فاليأس يبعث في النفس الغم والهم، كما أن التفاؤل يبعث في النفس الراحة والسكينة، ورَوْح الله رحمته بالعبد وتفريج همه، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، واليأس ليس من صفات المؤمنين؛ لذلك نشط الأبناء وجمعوا على عجل ما عندهم من بضاعة ومال، وقرروا السفر إلى مصر، وفي مصر كانت تبدو عليهم علامات التعب والإرهاق وما قاسَوه من هم أبيهم وفقد أخيهم؛ فالحالة في البيت اليعقوبي لم تكن على ما يرام، فانعكس هذا سلبًا على الجميع، ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88]، وقد عرض أبناء يعقوب معاناتهم على يوسف؛ لما لمسوه منه من طيب وخلق رفيع، وشكوا إليه فاقتهم وحاجتهم، وأن ما جلبوه من بضاعة لمبادلتها لشراء الطعام هي بضاعة ليست لها الجودة السابقة، وهذا كل ما يملكونه، وكان طلبهم أن يعطيهم من الرزق كالمرة السابقة دون النظر إلى ما قدموه من بضاعة قليلة أو رديئة، وقد رق يوسف لمنظر إخوته، وكاد يفصح عن نفسه لولا أن تماسك ليعرف المزيد من أخبار أبيه، وأما قولهم: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88] فقد أشكل هذا الطلب على المفسرين بأن يطلب أبناء يعقوب الصدقة، والمعلوم أن الأنبياء وآلهم لا تحل لهم الصدقة، وتحل لهم الهدية، فكان جواب بعضهم بأن هذا في شرعنا، وربما هو غير موجود في شريعة يعقوب، وقيل: عنَوا بعبارة: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88] أن يرد عليهم أخاهم بنيامين من أسره وعبوديته؛ فقد تعب أبوهم لفقده، وأتعبهم معه، وهنا أظهر يوسف شخصيته؛ فقد انتهى الدور الذي خطط له، والاستمرار فيه سيجعل النهاية كارثية وقد وصل إلى ما يريد، ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89]، ووقع هذا السؤال عليهم وقع الصاعقة، استفهام توبيخي وتقريعي؛ لأنهم يعلمون ما فعلوه بيوسف، وأنهم هم أسباب هذه الهموم، وهنا رجعوا إلى أنفسهم، ودققوا النظر في ملامح يوسف، ثم عادوا إلى ذاكرتهم، ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ﴾ [يوسف: 90]، ووقفوا ينتظرون الجواب وهم في حيرة من أمرهم، بين قلب واجف وآخر راجٍ، فخوفهم أن يكون يوسف وهو في هذا السلطان فينتقم منهم باقتدار، وراجٍ أن يكون هو فيعود للبيت اليعقوبي صفاؤه وبهاؤه، ويلتئم الشمل مع إمكانية الاستفادة من مركز يوسف، ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 90]، وهنا أخذ الخوف منهم كل مأخذ، وجاءهم ما كانوا يخشونه، وتابع يوسف تذكيرهم ما نسوه من وجوب تعميق الإيمان والتقوى والتوكل على الله؛ ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]؛ فالتعجُّل وسلوك الطرق الملتوية لتحقيق المنافع عاقبته الخسران والضياع ومَقْت الله وغضبه، وهنا عرفوا فضل يوسف عليهم، وأن كل ما فعلوه لقلب الموازين لصالحهم باء بالفشل، ولم يصح إلا الصحيحُ، وإلا الذي كتبه الله من خير ليوسف رغم كل الكيد، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91]، ولما قرأ في وجوه الإخوة أثر الندم لما فعلوه به، وهم بالتالي أولاد نبي موحِّدون لم يتخلوا عن الإيمان، وإن كانوا قد وقعوا في المعصية في حال التخلص من يوسف، إلا أن يوسف مؤمن بأن ما حدث مكتوب، وأن الحكمة منه عند الله؛ لذلك طمأن إخوته؛ كي يريح بالهم، ويبعد عنهم دوامة الصراع النفسي، ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، عفوٌ ممن يملك القدرة على العقاب، فهم إخوته، فإذا كان الأنبياء يعفون عن خصومهم الغرباء، وهو من شيمهم، فهل تراهم ينتقمون من إخوتهم؟ وهذا ما يميزهم عن بقية الناس، قلوب رحيمة، وصدور رحبة فسيحة، هم المثل والقدوة، وهم الرحمة المهداة للأمة؛ ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ [يوسف: 93]، ورأى يوسف أنه باستبقاء بنيامين عنده قد تسبب في ذهاب بصر أبيه، وكان يرجو من الله تعالى أن يجد الوسيلة في مداواته ليرتد إليه بصره، وأتاه جبريل فأخبره بالوسيلة المناسبة، لقد كان مع يوسف قميص إبراهيم وهو حرير من الجنة ألبسه الله إبراهيم حين ألقي في النار، فحماه الله بقدرته من لهيبها، ثم تداوله أبناؤه من بعده، فآل إلى يعقوب الذي أعطاه يوسف، فأخبر جبريلُ يوسفَ بأن يرسله إلى يعقوب، وأن يلقوه على وجهه فيرتد بصيرًا، وكان هذا بداية الانفراج عن هذه الأسرة الكريمة، ﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [يوسف: 93]؛ لذلك أحب يوسف أن يلقى أباه - كما تركه - مبصرًا؛ ليرى ما حل عليه من النعيم، ثم طلب أن يأتوه بأهلهم أجمعين؛ ليعيشوا معززين مكرمين مع يوسف ما تبقى من السنين العجاف، فيأمنوا بالعيش في مصر شرَّ القحط والمجاعة، ولما انطلق الأبناء إلى الشام ومعهم قميص يوسف، ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ [يوسف: 94]، فهاجت ريح من مصر إلى الشام وهم ما زالوا في أول الطريق فوصلت يعقوب، فقال لمن حوله: إني لأجد ريح يوسف، لولا أن تسفهوا قولي، أو تتهموني بذهاب العقل، وهذه معجزة لنبي الله يعقوب؛ أن تصله ريح قميص يوسف وهو على بعد بضع مئات من الأميال، وكانت هذه الريح من باب الطمأنينة ليعقوب بأن ابنه على قيد الحياة، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95]، ومع هذه المقدمة من يعقوب فإنه لم يسلم من اتهامهم، وأنه قد عاد إلى زعمه السابق في تكرار ذكر يوسف، وأنه لا يزال حيًّا يرزق، فهذه نوبات تعاوده بين حينٍ وآخر فهو يرددها ولا يكاد ينساها، واليوم وقد تقدمت به السن يخرج علينا ببدعة جديدة؛ أنه يجد ريح يوسف، لكن يعقوب أصر على زعمه وقال لهم: لن يطول بكم الوقت حتى تعلموا حقيقة ما أقول، ﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ﴾ [يوسف: 96]، وقصد بالبشير حامل القميص وأحد أبناء يعقوب "يهوذا"، وكان قد حمل من قبل قميص الدم؛ فأحزن والده؛ فأحب أن يحمل قميص البشارة ليفرحه، فألقاه على وجه والده فارتد بإذن الله بصيرًا، ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 96]، ولم ينسَ يعقوب في غمرة فرحه وعودة بصره أن يذكرهم بأنه كان في كامل قواه يحرسه الله؛ لأنه نبيه، فلم يخبرهم إلا بالوحي، وأنه لم يكن يهذي كما ظنوا، وإنما كان كلامه إضاءات وإشارات لما سيحصل مستقبلًا، وقد تحقق ما كان يخبرهم به من أن يوسف حي يرزق، ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97]، ولما وقف يعقوب على الحقيقة الجلية بشأن يوسف، التي ذكرها له إخوته العائدون توًّا من عنده، وقف هؤلاء الإخوة موقفًا لا يحسدون عليه من حيث الخجل مما فعلوا، وأنهم كانوا عصبة فاسدة متآمرة على أخيهم المسكين يوسف لمجرد حب أبيه له لصغر سنه، وقد باؤوا بالفشل والخزي فلم يعد أمامهم سوى التوبة والندم على ما بدر منهم، وأن يعاهدوا أباهم على الاستقامة والبعد عن عمل كل قبيح؛ فهم أبناء نبي، رباهم يعقوب على القيم النبيلة، وأن ما وقعوا فيه من الغدر والكراهية والحقد لا يليق بهم، فقد أغواهم الشيطان في فترة ضعف وغضب، واليوم بعد هذا الدرس الصعب الأليم، يعودون نادمين وقد أعلنوا عن خطئهم ورغبتهم في العودة إلى متابعة حياتهم بقلب طاهر نظيف لا يعرف الكراهية والحقد، وإنما يحمل في أعماقه نصاعة الحب الذي يؤهلهم للقيام بدورهم المهم في هذه الحياة، وهو الدعوة إلى الله، فطلبوا من والدهم الرضا عنهم، والاستغفار لهم؛ ليبدؤوا حياة جديدة يملؤها الإيمان والحب وصفاء القلب ونقاؤه من درن الأخطاء ووساوس الشيطان، فما كان من الأب الشفيق على أبنائه إلا أن وعدهم بالاستغفار، ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 98]، واستعمل حرف الاستقبال ﴿ سَوْفَ ﴾ الذي يفيد التريث والتأخير، قال المفسرون: أخَّره إلى آخر الليل ليكون أدعى للإجابة، وأقول: أخره إلى ما بعد الالتقاء بيوسف عندما سيكون استغفاره أكثر رقة وشفقة ونسيانًا لما فعلوه بيوسف، فإذا ما رأى نعم الله على يوسف طابت نفسه عليهم، وزال ما كان يحمله من كره وشك، وانطلق يعقوب وزوجه وأبناؤه وكل أفراد بيته واتجهوا إلى مصر، ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99]، وهذا السياق القُرْآني يدل على أن يوسف تلقاهم في الضواحي في خيمة ملكية أعدها لاستقبالهم، ومعنى: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ ﴾ انزلوا فيها، أو أقيموا فيها، وجرى استقبال مناسب ليعقوب أمام وجهاء مصر، فتشرفوا بالسلام على نبي الله متبركين به ويوسف في غاية السرور بلقيا والديه وهو يقول: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99]، ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ [يوسف: 100] أجلس أبويه معه على سرير الملك، وجلس الإخوة أمامه، ثم سجد الجميع ليوسف سجود تحية، وكان هذا جائزًا في شرعهم، لم يُخفِ يوسف الرؤيا التي كان رآها في صغره، وقصها حينها على أبيه، ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100]، وذلك عندما قال: ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]؛ فقد تحقَّقت رؤياه بعد هذه المدة الطويلة، ثم قال: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100] ومنَّ الله عليَّ فأخرجني من السجن، وكثير من السجناء في ذلك الوقت يضرب عليهم النسيان في السجن فلا يفطن لإخراجهم أحد، خصوصًا إذا كانوا غرباء مثل يوسف، فكانت رؤيا الملك سببًا لإخراج يوسف من السجن معززًا مكرمًا، فارتقى بسببها أعلى الدرجات، ﴿ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100]، فكان يعدِّدُ آلاء الله ونعمه متجاوزًا عددًا من النعم المهمة، فلم يذكر نجاته من الجب خشية جرح شعور إخوته، ولم يذكر نجاته سليمًا من إغراء زوجة العزيز؛ كيلا تعود من جديد على ألسنة الناس بعد نسيانها، وإثارتها من جديد تسيء إلى زوجة العزيز، ويوسف قد صفح عنها بعد اعترافها بالحق وتبرئته، وبعد عودة المياه إلى مجاريها واستقرار البيت اليعقوبي عاش يوسف ومن أتى من أهله في مصر عيشة هانئة، وقد روي أن يعقوب أقام في مصر حوالي عقدين، كانت سني خير وبركة، ثم حضرته الوفاة، فماذا قال لأبنائه؟! ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وهكذا ذكَّر أبناءه بكلمة التوحيد قبل أن يلقى ربه، فمات وهو يرمقهم بعين الرضا، ثم حمل إلى فلسطين بناءً على وصيته، ودفن قرب قبر أبيه إسحاق، وعاش يوسف في مصر ما شاء الله له أن يعيش، وقيل: عاش بعد وفاة والده ثلاثًا وعشرين سنة، تاقت نفسه بعدها إلى العيش الدائم في رحاب جنات الرحمن، وأن الملك مهما طال في الدنيا فهو زائل، فقال: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]؛ فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فتوفي وقد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، ولحب المصريين له جعلوه في صندوق من مرمر، ودفنوه في أعلى النيل؛ لتعمَّ البركة هذا النهر، وسيمر معنا كيف أعادته الملائكة إلى فلسطين في عهد طالوت.

تُعَدُّ قصة يوسف قمة في القصة الطويلة، وقد حوت على كافة عناصرها، وهي الوحيدة التي ذكرت في القُرْآن كاملة في سورة واحدة.

أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أكرم الناس؟ قال: ((أتقاهم لله))، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فأكرم الناس يوسف، نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله))، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))، وعن أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يرحم الله لوطًا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي، لأجبته))، وفي هذا القول لنا وقفة:

• صحيح أن دعوة الأنبياء واحدة في الأصول مع الاختلاف في بعض الفروع.

• الأنبياء خلاصة البشر، وأفضل خلق الله، لكن بينهم أيضًا فروق؛ فهم ليسوا نسخة واحدة مكررة، فسيرتهم تظهر ذلك، حتى الأخوان موسى وهارون كانا بين لين وشديد، وجاء الحديث الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ولو لبثت في السجن...)) ليؤكد هذا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم انطلق في هذا من بيئته العربية التي تهتم بالعفو والصفح ونسيان الماضي عندما يشرق لها الحاضر، وكذلك بمبدأ أنه ما كان يغضب إلا لله، وأما ما كان شخصيًّا فقد كان يسامح فيه، فهذا ابن عمه وأخوه في الرضاعة سفيان بن الحارث قد وقف معاديًا له وهاجيًا سنين طويلة، وقبل فتح مكة قرر الدخول في الإسلام فلم يقبله بادئ الأمر عقابًا له على موقفه الذي تخطى المعقول، وعندما قبله وعفا عنه لم يطلب منه أن يعتذر عما قاله بقصيدة أو سواها.

• وقد ورث العرب المسلمون هذه الميزة، وهي ميزة الصحراء التي لا تقبل سواها.

• بينما نجد قرار يوسف بعدم الخروج من السجن إلا بعد التبرئة، وهذا أيضًا يظهر مدى بيئته التي لا تقبل الصفح إلا بإجراءات معينة، وأمام الشهود، دون الالتفات إلى مدة هذه الإجراءات طالت أو قصرت، ألم يقل يعقوب لأبنائه عندما قالوا له: ﴿ يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾ [يوسف: 97]، ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ [يوسف: 98] طاوَلهم وهم أبناؤه.

• هذا اجتهاد في تفسير الموقفين، وكلاهما صواب.

وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)).

لم يرد في قصة يوسف كلمة (فرعون) لقبًا لملك مصر، بل ورد كلمة (ملك)؛ وذلك لأن قومًا يسمون الهكسوس غزَوْا مصر فاحتلوها وأبعدوا الفراعنة عن الحكم، وقيل: أبعدوهم نحو الصعيد، أما هم فقد حكموا منطقة الشمال؛ لذلك لم تكن ألقابهم (فرعون)، وإنما كان لقب الحاكم منهم "الملك"، وهذه الفترة استمرت مائتي سنة، وكان ضمن الحاكم هذه الفترة حياة يوسف في مصر، ثم استرد الفراعنة ملكهم من الهكسوس

الموضوع الأصلي: يوسف بن يعقوب بن إسحاق (4) || الكاتب: ملكة الحنان || المصدر: منتديات عزف الحروف

كلمات البحث

اسلاميات ، مواضيع عامة ، سيارات ، صحة ، تصميم





d,st fk dur,f Ysphr (4)




 توقيع : ملكة الحنان



رد مع اقتباس
قديم 05-06-2023, 10:04 PM   #2


الصورة الرمزية تراتيل عشق
تراتيل عشق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 54
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 أخر زيارة : اليوم (06:16 AM)
 المشاركات : 150,906 [ + ]
 التقييم :  47318
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



جزاك الله خير
وجعله في موازين حسناتك


 
 توقيع : تراتيل عشق


شكرآ للادارة ع التكريم

عذب الإحساس مشكور ع التصميم الرائع


رد مع اقتباس
قديم 05-07-2023, 12:55 AM   #3


الصورة الرمزية ملكة الحنان
ملكة الحنان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 242
 تاريخ التسجيل :  Nov 2021
 أخر زيارة : 06-09-2023 (07:54 PM)
 المشاركات : 72,404 [ + ]
 التقييم :  109197
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



تراتيل
يسعدك ربي على روعة مرورك بمتصفحي
الله مايحرمني وجودك وجديدك ياعسل


 
 توقيع : ملكة الحنان




رد مع اقتباس
قديم 05-07-2023, 01:44 PM   #4


الصورة الرمزية ليليانا
ليليانا غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 347
 تاريخ التسجيل :  May 2023
 أخر زيارة : 08-30-2023 (03:05 PM)
 المشاركات : 362 [ + ]
 التقييم :  320
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



بارك الله فيكم..
وجزاكم كل الخير..
وجعل طرحكم هذا بموازين حسناتكم..
وأتابكم الجنة..
وأظلكم الله يوم لا ظل الا ظله..
وأسعدكم في الدنيا والآخرة..
حفظكم المولى ورعاكم.


 

رد مع اقتباس
قديم 05-08-2023, 03:52 AM   #5


الصورة الرمزية ملكة الحنان
ملكة الحنان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 242
 تاريخ التسجيل :  Nov 2021
 أخر زيارة : 06-09-2023 (07:54 PM)
 المشاركات : 72,404 [ + ]
 التقييم :  109197
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



ليليانا
يسعدك ربي على روعة مرورك بمتصفحي
الله مايحرمني وجودك وجديدك ياعسل


 
 توقيع : ملكة الحنان




رد مع اقتباس
قديم 05-08-2023, 08:44 AM   #6


الصورة الرمزية شيخة الزين
شيخة الزين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 42
 تاريخ التسجيل :  Feb 2020
 أخر زيارة : يوم أمس (05:23 PM)
 المشاركات : 119,190 [ + ]
 التقييم :  59807
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



سلمت يمينك على الطرح
نترقب المزيد من جديدك الرائع
لك كل الود والتقدير



 

رد مع اقتباس
قديم 05-08-2023, 09:24 AM   #7


الصورة الرمزية ملكة الحنان
ملكة الحنان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 242
 تاريخ التسجيل :  Nov 2021
 أخر زيارة : 06-09-2023 (07:54 PM)
 المشاركات : 72,404 [ + ]
 التقييم :  109197
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



شيخة الزين
اسعدني تواجدك بمتصفحي
لاخلا ولاعدم يارب


 
 توقيع : ملكة الحنان




رد مع اقتباس
قديم 05-10-2023, 01:36 AM   #8


الصورة الرمزية تراتيل عشق
تراتيل عشق غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 54
 تاريخ التسجيل :  Mar 2020
 أخر زيارة : اليوم (06:16 AM)
 المشاركات : 150,906 [ + ]
 التقييم :  47318
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد .


 
 توقيع : تراتيل عشق


شكرآ للادارة ع التكريم

عذب الإحساس مشكور ع التصميم الرائع


رد مع اقتباس
قديم 05-10-2023, 08:59 PM   #9


الصورة الرمزية غصة حنين
غصة حنين غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 73
 تاريخ التسجيل :  Apr 2020
 أخر زيارة : 05-08-2024 (02:12 AM)
 المشاركات : 135,959 [ + ]
 التقييم :  58200
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Palevioletred

الاوسمة

افتراضي



طرح معطر بروحانيات إيمانيه قيمه
جزاك الله خير
ورفع الله قدرك وجعله في ميزان حسناتك


 

رد مع اقتباس
قديم 05-14-2023, 05:04 AM   #10


الصورة الرمزية ملكة الحنان
ملكة الحنان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 242
 تاريخ التسجيل :  Nov 2021
 أخر زيارة : 06-09-2023 (07:54 PM)
 المشاركات : 72,404 [ + ]
 التقييم :  109197
لوني المفضل : Cadetblue

الاوسمة

افتراضي



غصة
سرني تواجدك بمتصفحي
لاحرمنا الله جديدك الشيق


 
 توقيع : ملكة الحنان




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ترجمة المقرئ يعقوب بن إسحاق ملكة الحنان ♫ıl الرسول و سيرة الصحابة ıl♫ 8 05-14-2023 05:05 AM
إسحاق نيوتن ملكة الحنان ♫ıl عزف المعلومآت العاآمة ıl♫ 14 05-08-2023 09:18 AM
تفسير سورة يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام عدد آياتها 111 ( آية 1-29 ) وهي مكية ملكة الحنان ♫ıl القرآن الكريم و علومه ıl♫ 9 05-01-2023 12:51 AM
سورة يوسف عاشق العميد ♫ıl شجون مرئية و مسموعة ıl♫ 7 04-29-2023 03:56 PM
هو يوسف بن يعقوب . شيخة الزين ♫ıl الرسول و سيرة الصحابة ıl♫ 14 05-31-2020 11:43 AM


الساعة الآن 01:18 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! © 2010
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
vEhdaa 1.1 by rKo ©2009